الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، وترك أمته على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك؛ بيّن فيها ما تحتاجه الأمة في جميع شئونها حتى قال أبو ذر رضي الله عنه: * وإنك لترى هذا القرآن العظيم قد بين الله تعالى فيه أصول الدين وفروع الدين فبين التوحيد بجيمع أنواعه، وبين حتى آداب المجالس والاستئذان، قال تعالى: * أيها الأخوة: إن بعض الناس يفسر قول الله تعالى: والجواب على ذلك أن الله تعالى بين لنا في كتابه أنه من الواجب علينا أن نأخذ بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلّم وبما دلنا عليه * أيها الأخوة: إذا تقرر ذلك عندكم فهل النبي صلى الله عليه وسلّم توفي وقد بقي شيء من الدين المقرب إلى الله تعالى لم يبينه؟ أبداً فالنبي عليه الصلاة والسلام بين كل الدين إما بقوله، وإما بفعله، وإما بإقراره إما ابتداءاً أو جواباً عن سؤال، وأحياناً يبعث الله أعرابياً من أقصى البادية ليأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يسأله عن شيء من أمور الدين لا يسأله عنه الصحابة الملازمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولهذاكانوا يفرحون أن يأتي أعرابي يسأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن بعض المسائل. ويدلك على أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما ترك شيئاً مما يحتاجه الناس في عبادتهم ومعاملتهم وعيشهم إلا بينه يدلك على ذلك قوله تعالى: * إذا تقرر ذلك عندك أيها المسلم فاعلم أن كل من ابتدع شريعة في دين الله ولو بقصد حسن فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عز وجل، تعتبر تكذيباً لله تعالى في قوله: كما أنك لتعجب من قوم يبتدعون في دين الله ما ليس منه فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ويدعون بذلك أنهم هم المحبون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنهم المعظمون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وأن من لم يوافقهم في بدعتهم هذه فإنه مبغض لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى غير ذلك من ألقاب السوء التي يلقبون بها من لم يوافقهم على بدعتهم فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم. ومن العجب أن مثل هؤلاء يقولون نحن المعظمون لله ولرسوله، وهم إذا ابتدعوا في دين الله وفي شريعته التي جاء بها رسوله صلى الله عليه وسلّم ما ليس منها فإنهم بلا شك متقدمون بين يدي الله ورسوله وقد قال الله تعالى: * أيها الأخوة: إني سائلكم ومناشدكم بالله عز وجل وأريد منكم أن يكون الجواب من ضمائركم لا من عواطفكم، من مقتضى دينكم لا من مقتضى تقليدكم. ما تقولون فيمن يبتدعون في دين الله ما ليس منه سواء فيما يتعلق بذات الله وصفات الله وأسماء الله، أو فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم يقولون نحن المعظمون لله ولرسول الله أهؤلاء أحق بأن يكونوا معظمين لله ولرسول الله؟ أم أولئك القوم الذين لا يحيدون قيد أنملة عن شريعة الله، يقولون فيما جاء من الشريعة آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به أو نهينا عنه، ويقولون فيما لم تأت به الشريعة أحجمنا وانتهينا وليس لنا أن نتقدم بين يدي الله ورسوله، وليس لنا أن نقول في دين الله ما ليس منه. أيهما أحق أن يكون محبّاً لله ورسوله ومعظماً لله ورسوله؟ لا شك أن الذين قالوا آمنا وصدقنا فيما أخبرنا به وسمعنا وأطعنا فيما أمرنا به، وقالوا كففنا وانتهينا عما لم نؤمر به، وقالوا نحن أقل قدراً في نفوسنا من أن نجعل في شريعة الله ما ليس منها، أو أن نبتدع في دين الله ما ليس منه؛ لا شك أن هؤلاء هم الذين عرفوا قدر أنفسهم وعرفوا قدر خالقهم، هؤلاء هم الذين عظموا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم وهم الذين أظهروا صدق محبتهم لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم. لا أولئك الذين يبتدعون في دين الله ما ليس منه في العقيدة أو القول او العمل، وإنك لتعجب من قوم يعرفون قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: وإذا تم في الكلام هذه الأمور الثلاثة - كمال النصح، والإرادة، وكمال البيان والفصاحة وكمال العلم والمعرفة، دل ذلك على أن الكلام يراد به ما يدل عليه من المعنى أفبعد هذه الكلية يصح أن نقسم البدعة إلى أقسام ثلاثة، أو إلى أقسام خمسة؟ أبداً هذا لا يصح، وما ادعاه بعض العلماء من أن هناك بدعة حسنة. فلا تخلوا من حالين: 1 - أن لا تكون بدعة لكن يظنها بدعة. 2 - أن تكون بدعة فهي سيئة لكن لا يعلم عن سوئها. فكل ما ادُعي أنه بدعة حسنة فالجواب عنه بهذا. وعلى هذا فلا مدخل لأهل البدع في أن يجعلوا من بدعهم بدعة حسنة وفي يدنا هذا السيف الصارم من رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكأني أحس أن في نفوسكم دبيباً يقول ما تقول في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الموفق للصواب حينما أمر أبي ابن كعب وتميماً الداري أن يقوما بالناس في رمضان فخرج والناس على إمامهم مجتمعون فقال: "نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون". * فالجواب عن ذلك من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يجوز لأحد من الناس أن يعارض كلام الرسول صلى الله عليه وسلّم بأي كلام لا بكلام أبي بكر الذي هو أفضل الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عمر الذي هو ثاني هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام عثمان الذي هو ثالث هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام علي الذي هو رابع هذه الأمة بعد نبيها، ولا بكلام أحد غيرهم لأن الله تعالى يقول: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتقولون قال أبو بكر وعمر". الوجه الثاني: إننا نعلم علم اليقين أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشد الناس تعظيماً لكلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلّم وكان مشهوراً بالوقوف على حدود الله تعالى حتى كان يوصف بأنه كان وقافاً عند كلام الله تعالى. وما قصة المرأة التي عارضته - إن صحت القصة - في تحديد المهور بمجهولة عند الكثير حيث عارضته بقوله تعالى: * وقد يقول قائل: هناك أشياء مبتدعة قبلها المسلمون وعملوا بها وهي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم كالمدارس وتصنيف الكتب، وما أشبه ذلك وهذه البدعة استحسنها المسلمون وعملوا بها ورأوا أنها من خيار العمل فكيف تجمع بين هذا الذي يكاد أن يكون مجمعاً عليه بين المسلمين وبين قول قائد المسلمين ونبي المسلمين ورسول رب العالمين صلى الله عليه وسلّم: فالجواب: أن نقول هذا في الواقع ليس ببدعة بل هذا وسيلة إلى مشروع، والوسائل تختلف باختلاف الأمكنة والأزمنة، ومن القواعد المقررة أن الوسائل لها أحكام المقاصد فوسائل المشروع مشروعة، ووسائل غير المشروع غير مشروعة، بل وسائل المحرم حرام. والخير إذا كان وسيلة للشر كان شرّاً ممنوعاً واستمع إلى الله عز وجل يقول: * فإن قال قائل: كيف تجيب عن قول النبي صلى الله عليه وسلّم: * فالجواب: أن من قال وإذا كان كذلك فبيان عدم مناقضة حديث * وهناك جواب لا بأس به: أن معنى (من سن) من أحيا سنة كانت موجودة فعدمت فأحياها، وعلى هذا فيكون "السن" إضافياً نسبيّاً كما تكون البدعة إضافية نسبية لمن أحيا سنة بعد أن تركت. * وهناك جواب ثالث يدل له سبب الحديث وهو قصة النفر الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم وكانوا في حالة شديدة من الضيق، فدعا النبي صلى الله عليه وسلّم إلى التبرع لهم فجاء رجل من الأنصار بيده صرة من فضة كادت تثقل يده فوضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلّم فجعل وجه النبي عليه الصلاة والسلام يتهلل من الفرح والسرور وقال: * وليعلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تتحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة: * الأول: السبب فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعيّاً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحيي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله صلى الله عليه وسلّم فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة؛ لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً. وهذا الوصف - موافقة العبادة للشريعة في السبب - أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة. * الثاني: الجنس فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس، فلا يصح أضحية؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم. * الثالث: القدر فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أن الإنسان صلى الظهر مثلاً خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق. * الرابع: الكيفية فلو أن رجلاً توضأ فبدأ بغسل رجليه، ثم مسح رأسه، ثم غسل يديه، ثم وجهه فنقول: وضوءه باطل؛ لأنه مخالف للشرع في الكيفية. * الخامس: الزمان فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة فلا تقبل الأضحية لمخالفة الشرع في الزمان. وسمعت أن بعض الناس في شهر رمضان يذبحون الغنم تقرباً لله تعالى بالذبح وهذا العمل بدعة على هذا الوجه لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رمضان مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة. وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز. * السادس: المكان فلو أن رجلاً اعتكف في غير مسجد فإن اعتكافه لا يصح؛ وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ولو قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت. فلا يصح اعتكافها لمخالفة الشرع في المكان. ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطون فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق فصار يطوف من وراء المسجد فلا يصح طوافه لأن مكان الطواف البيت قال الله تعالى لإبراهيم الخليل: فالعبادة لا تكون عملاً صالحاً إلا إذا تحقق فيها شرطان: الأول: الإخلاص - الثاني: المتابعة، والمتابعة لا تتحقق إلا بالأمور الستة الانفة الذكر. * وإنني أقول لهؤلاء الذين ابتلوا بالبدع الذين قد تكون مقاصدهم حسنة ويريدون الخير إذا أردتم الخير فلا والله نعلم طريقاً خيراً من طريق السلف رضي الله عنهم. * أيها الأخوة عضوا على سنة الرسول صلى الله عليه وسلّم بالنواجذ واسلكوا طريق السلف الصالح وكونوا على ما كانوا عليه وانظروا هل يضيركم ذلك شيئاً؟ وإني أقول - وأعوذ بالله أن أقول ما ليس لي به علم - أقول إنك لتجد الكثير من هؤلاء الحريصين على البدع يكون فاتراً في تنفيذ أمور ثبتت شرعيتها وثبتت سنيتها فإذا فرغوا من هذه البدع قابلوا السنن الثابتة بالفتور، وهذا كله من نتيجة أضرار البدع على القلوب، فالبدع أضرارها على القلوب عظيمة، وأخطارها على الدين جسيمة فماابتدع قوم في دين الله بدعة إلا أضاعوا من السنة مثلها أو أشد، كما ذكر ذلك بعض أهل العلم من السلف. لكن الإنسان إذا شعر أنه تابع لا مشرع حصل له بذلك كمال الخشية والخضوع والذل والعبادة لرب العالمين، وكمال الاتباع لإمام المتقين، وسيد المرسلين، ورسول رب العالمين محمد صلى الله عليه وسلّم. إنني أوجه نصيحة إلى كل إخواني المسلمين الذين استحسنوا شيئاً من البدع سواءً فيما يتعلق بذات الله، أو أسماء الله، أو صفات الله أو فيما يتعلق برسول الله صلى الله عليه وسلّم وتعظيمه أن يتقوا الله ويعدلوا عن ذلك، وأن يجعلوا أمرهم مبنيّاً على الاتباع لا على الابتداع، على الإخلاص لا على الإشراك، على السنة لا على البدعة، على ما يحبه الرحمن لا على ما يحبه الشيطان، ولينظروا ماذا يحصل لقلوبهم من السلامة، والحياة، والطمأنينة، وراحة البال والنور العظيم. وأسأل الله تعالى أن يجعلنا هداة مهتدين، وقادة مصلحين، وأن ينير قلوبنا بالإيمان والعلم، وأن لا يجعل ما علمنا وبالاً علينا، وأن يسلك بنا طريق عباده المؤمنين، وأن يجعلنا من أوليائه المتقين وحزبه المفلحين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|